Thursday, November 26, 2015

بين اللغة والروح

إليك أنت،

يوجد معانٍ رائعة ومتاهات ومعجزات مذهلة في اللغات وفي نقل المعاني من لغة لأخرى، أحيانًا يضيع المعنى في اللغة المنقول إليها وأحيانًا يتحول إلى جملة رائعة تكوّنت بفعل فاعل عكف عليها حتى أخرجها من لغتها إلى لغتنا كأنها وُلدت من جديد.

يحدث الأمر ذاته عندما أكتب إليك بالعربية، فأحيانًا تضيع مني الكلمات الإنجليزية في بحر العربية ومع ذلك لا أجد لها التعبير المناسب في لغتي، وأحيانًا أخرى أتوصل إلى لغة تعبيرية أفصح بكثير من تلك اللغة الفقيرة التي دائمًا ما نلجأ إليها.

قد ذكرت لك من قبل إن حبّي للّغتين هو على حد سواء، فلا تغلب لغة منهما على الأخرى، وهناك أيضًا لغتي الثالثة التي بالكاد أفهمها الآن، الإسبانية، ولكنها للأسف غرقت في بحر نصف النسيان. اللغة شيء مذهل، وتعدد اللغات في العالم دائمًا ما يبهرني، تخيل أننا جميعًا نتحدث لغة روحية واحدة ولكن على لساننا كلمات مختلفة تؤدي نفس الأغراض في أي لغة. تخيل لو أن العالم كله استغنى عن لغة اللسان واستعان بلغة الروح والجسد، تخيل كيف سنكون، كيف سنكون؟ أو تخيل لو أن كلًا منا كان يتكلم لغته الخاصة التي لا يفهمها أحد، أو أن يتحدث العالم أجمع لغة واحدة، أسيغير هذا من إنسانيتنا، أو من وحشيّتنا؟ هل سنصبح أقرب للوحوش من الإنسانية أم ستتغلب الإنسانية على مساوئنا؟ لن نعرف أبدًا.

كنت دائمًا أتساءل وأنا صغيرة، إذا كان ربنا، الله، واحد، فكيف سيحاسبنا يوم القيامة وأكثرنا لا يتحدث العربية؟ وهل يتوجب على غير ناطقي العربية أن يتحدثوها في الدنيا كي يستطيعوا التحدث مع الله يوم القيامة؟
ثم وفي يومٍ ما سمعت أمي تسأل شقيقتي السؤال نفسه الذي كان يدور في ذهني، طربت فرحًا لإنني كنت خجلة من أن أسأل السؤال بنفسي، فعرفت الإجابة وذُهِلت ساعتها. إن الله لا يعاملنا بلغتنا بل بلُغَة الروح.
عندما أفكر في هذا الآن ينتابني شعور بالرحمة، كم أن الله رحيمٌ بنا ولم يطلب منّا تعلم لغة أخرى لكي نتحدث معه. أليس هذا بربٍ رحيم؟

ثم إليك أنت أكتب بهذه اللغة التي يعجزني جمالها والتي أتمنى في يومٍ ما أن أتحدثها بأدب وبلاغة كما تتحدثها أنت، أنت الذي يتحدث كل اللغات ولا يتحدث بلغته أحد، كم أنت فريد. 

أُحِبُّكَ لأنك اللغة كلها ولا شيء منها في الوقت ذاته.

ولك كامل إخلاصي ووفائي،
نون

No comments:

Post a Comment