Wednesday, November 25, 2015

مغزى الوحدة

إليك أنت،

لازال الفراغ يملأ المكان، ولا زال الصمت يقتلني في هذه الغرفة التي تتخللها أشعة الشمس من كل مكان، شمسٌ عنيدة ولكنها وحيدة، مثلي، في مكان مليء بالبشر، ولكنه هادئ جدًا في الوقت نفسه.
أجلس هنا، على مكتب ذي مساند غير ثابتة، وأنظر إلى كوب القهوة أمامي في خوف حتى لا تسكبه الحركة على أشيائي، فحولي حاسوبي الخاص وكُتبي وقلمي وحقيبتي، وقد أصبح المكان هو المساحة المريحة التي لم أخرج عنها منذ أسبوعين وحتى اليوم، وآمل أن يكون اليوم هو آخر يوم من هذه الكآبة المحيطة بي من جميع الاتجاهات.

ولكنّي أتذكر أنني لم أكتب لك منذ يومين، وقد اشتقت للكتابة ليس إليك وحدك ولكن لنفسي، فإنني أُحدّث نفسي كما أُحدّثك، فلا تعتقد أنك المُخاطَب الوحيد هنا، ما فيّ أيضًا يخاطب ما في أعماقي. ولكنني بلا شك أكتب لأجلك هذه الكلمات كي لا أنقطع عنك، وكي لا تعتقد أن أفكاري خالية منك ومن رسائلك التي لا تصلني أبدًا ماديًا ولكنّها تصلني دائمًا على النطاق المعنوي، أراك في كل شيء، وكأن الناس أصبحوا كلهم نسخة منك، وأنت لست ككل الناس، بل إنك لست كأحدٍ من الناس، أنتَ أنتْ، تصل إليّ من مكان ما بداخلي ولكنني لا أصل إليك أبدًا، بيننا صداقات وعلاقات وكلمات كلها معنوية، ولكنها أفضل من كل ما هو ماديٌ أمامي، فكيف لي أن أطمع في المزيد؟
الوحشة شيء قاتل ومذهل في نفس الوقت، فهي تعطيك زمنًا سرمديًا للتفكير في حياتك من المهد إلى اللحد كما يقولون، ولكنها قد تقودك إلى الشكّ في كل شيء، والعدول عن كل الأشياء والأحلام التي بداخلك، الوحدة قد تقتُل كل شيء أو قد تُحيي كل شيء في الوقت ذاته.

ولكن هناك مفارقة بين الوحدة والأفكار، فإذا كانت الأفكار تحيط بك في وحدتك فأنت في الواقع لست وحيدًا بالمعنى الدقيق للكلمة، وإذا تعاملنا مع الحياة بهذا المنطلق فإننا نادرًا ما نكون وحيدين فعليًا، هي أشياء مادية فقط، ولكنّ المعنويات في كل شيء، وهي تغلب الماديات.
ثُمّ إن شعور المرء بالموجودات حوله لا يزيل بالضرورة إحساس الوحدة الداخلي.
المهم أن ندرك المغزى أو الهدف من خلق حالة كالوحدة، فلولاها لما توصلنا لمعنى الوجود.

ولك كامل إخلاصي ووفائي،
نون.


No comments:

Post a Comment