إليكْ،
أليس التيه وصول؟ ألا تُبعدنا
الحياة عن أشياء لتقرّبنا من أخرى؟ من أشخاص في خيالاتنا أو أحلام في منامنا؟ أليس
الغياب حضور؟ ولكن في مكانٍ مختلف وحيثيات جديدة. أليس صُبحك في بلدةٍ هو نفسه ليلٌ على
شخصٍ آخر؟ أليست الحياةُ موتًا في مكانٍ آخر في هذا العالم، عالمٌ يملؤه كل ما فيه وعكسه.
وفي ليلةٍ أخرى، ينعكس كل شيء، ينعكس
صباحك ليصبح ليلًا، وتصبح أحلامك واقعًا مؤلمًا، وتصير الحياة موتًا لا ينتهي، بل
إنه قد يبدو بلا بدايات ولا نهايات. ويصبح حضورك غيابٌ، إلى عالم المجهول، أو
الأمنيات، أو أحلام يقظة، وهو الذي يُعدّ سبيلك الوحيد للهروب، لأن ما تبقى من الطريق مسدود، أو لا
رجعة منه. وتغيب بذهنك، وأفكارك، وروحك، وقلبك، وكلِّك عن هذا العالم، ولكنّك تظلّ
جسدًا مجهولًا، كما لو كان منعدم الهوية. وبدل أن تدعو الله أن يكشف عنك هذه الغُمّة
أو أن يُرضيك بها، تصيبك نوبة من السباب والجحود، وتنسى ما كنتَ فيه فقط قبل ليلة واحدة.
تنسى أنك كنتَ هاهُنا، تنسى أن غيابك
هو ذاته حضورٌ، ليكون نافذتك إلى ذاتك، إلى كل ما تركته بين طيّات النسيان، أو إلى
كل ما جعلته أمرًا مُسلّمًا به. تنسى أنك لست إلا على بُعد ساعاتٍ قليلة من
الشروق، ذلك الذي يبعث بِنَداه على الأشجار والزهور، ويعطي السماء لونًا يوحي
بالحياة، وبالأمل، بل بالإنسانية كلّها بكل ما فيها. إنه الصبح بكلّ ما فيه من
حياة.
أوَليسَ الصُبحُ بقريب؟
ولكَ كلّ ما فيّ،
نون
من أجمل ما كتبتي بالعربي يا نعمة.
ReplyDelete