Monday, June 6, 2016

لا سلوان في هذا العالم

إليكْ،

تبدأ القصة من المنتصف، نعم، لا أدري كيف أبدؤها من المنتصف، ولكنني كنت في عربة المترو منشغلة بقراءة كتاب في بداية صفحاته، أتعرّف على هذا الكاتب الجديد، وأجلس حيث يمكنني أن أحسّ ببرودة الهواء في المكان. لا أشعر بمن يدخل أو يخرج من العربة، بل إنني منهمكة في قراءة تلك الكلمات التي تبدو لي ككتاب أدرسه وليس فقط أقرؤه.
أسمع صوتًا كأنه صوت نشيج فتاة على مقربة مني، أو ألمح جسدها وهو يشهق وتُسرق منها أنفاسها في البكاء. أنظر حولي، وإذا بها تجلس على الجانب الآخر من العربة، ترتدي بنطالًا وشالًا متلونان بدرجات البني، ويبدو لي فقط من اللون الذي تلبسه كآبة قلبها. تنظر إلى الفراغ المحيط بها، وحدها هي ودموعها. أردتُ كثيرًا أن أذهب إليها، أسألها عما إذا كانت بخير، ولكنني أدركتُ أنه سؤال ليس في محلّه، فكّرت في شيء آخر، كأن أسألها إذا كانت في حاجة لغريب تُحدّثه سرّها. انشغلتُ بالكتاب مرة أخرى وأنا لا أزال أسمع صوت بكائها. قطعتُ قراءتي مرة أخرى لأرى إذا كان هناك من ينظر إليها، من يحاول أن يُحدّثها، من يومئ إليها إيماءة فيها شيء من الحنان عليها، ولكن لا أحد. 
يمتلئ وجهها بالدموع. يمتقع ويتحوّل إلى اللون الأحمر الحزين. تبدو لي أن حبيبًا لها قد هجرها، أو أنها فقدت شيئًا تحبّ، أو أنها وحيدة. تبدو لي شديدة الوحدة. ولا أدري ماذا أفعل، فإن الحزن هو نقطة ضعف كلماتي، يقتلها ولا يريدها أن تقترب من دموع أحد أو من بكائه. يُصدر المترو صوتًا مزعجًا بعجلاته، ولا أفكّر إلا في الكلمات وفيها، هل لسؤالي أن يبعث إليها قليلًا من السلوان؟ أم أنها قد تأمرني ألا أتدخل فيما لا يعنيني.
أنظر إليها، تستعدّ للنزول، للرحيل، وهي لا زالت تبكي. أشفق على وحدتها، أدعو لها دون أن أحركّ شفتاي، أراقبها وهي تخرج من العربة بعد أن استقرّ المترو في مكانه وانفتحت أبوابه على مصراعيها. أراقبها حتى تسير بعيدًا عن الأنظار حتى تختفي.
أفكّر في كمّ الحزن الذي يعتريها، وأفكّر في كل من بكى وحيدًا دون صحبة تهوّن عليه هذا الألم، أو تبعث إليه قليلًا من السلوان. أفكّر في ما قد تكون أخطأت فيه، أو من قد يكون قد أهملها. أستكمل قراءة كتابي، وأنهمك في مزيد من الكآبة في هذه الكلمات. فهي التي تصنع منّا من نحن.

ولكَ كلّ ما فيّ،
نون

No comments:

Post a Comment