Thursday, June 23, 2016

إيماءة أخيرة

إليهْ،

يمشي في الرواق. أراه بطرف عيني وهو يقترب من الغرفة، وأنا في أحلك وقت لعملي. يدخل الغرفة ويجلس أمامي. أراه ينظرّ إلي بابتسامة لم أفهمها. أرفض أن أحاول فهمها حتى لا تشتت أفكاري. أرفض أن أبدأ في الحديث أولًا، فأترك له مساحة من الصمت لكي يبدأ.
يبدأ الحديث فتتشتت أفكاري. أريد أن أتحدث مع أمي، فهي التي تُعيد إليّ صوابي. أبكي بداخلي، لأنها ليست هنا. هي هنا ولكنها في مكانٍ آخر بروحها. جسدها هنا ولكنّه تعب من وطأة الأيام. الأم يُجني عليها على مدار السنوات، ولا أحد في المجتمع يعير هذه الجناية اهتمامًا، لأنها لا تشكو ولا تتذمر، لأن فرحة أولادها بالدنيا وما فيها.
أستمع إلى حديثه في صمتٍ شديد، لا أومئ برأسي ولا أعطي له أيًا من كلماتي. لا أجد الكلمات. أفتقد حنانه عندما كنت صغيرة، وإن كان قليلًا منه. أفتقد معنى الأبوّة فيه، ومعنى الاحتواء والاستناد إلى من هو سند لك. أُحِبّه ولكن برهبة شديدة. بخوفٍ لم أعهده مع أحدٍ قط. الحزن يتملّكني والكلمات تعجز عن الخروج. تحتضر أحاديثنا مع مرور الوقت وأنسى الطمأنينة التي كنت أحسّها وأنا طفلة صغيرة. 
من أين أتى هذا الخوف يا أبي؟ وإلى أيّ مدى سيطول؟ ومتى تسقط آخر دموعي حزنًا على المسافات التي لا تزال تكبر بيننا؟

ولهُ كلّ ما فيّ،
نون

No comments:

Post a Comment