Tuesday, April 5, 2016

أعراض الانسحاب من البشرية

إليكْ،

تتوارى عن الأنظار، تهرب من البشر، وتتمنى لو أنك تعود لمنزلك. لعزلتك. لكُتبك. لمنطقة الارتياح الخاصة بك، في ذلك الركن من الغرفة، حيث يوجد كل شيء تحبّه. ماذا عساي أن أقول غير أن هذا كلّه ليس إلا أعراض الانسحاب من البشرية، ومن هذا العالم الذي لا أعلم كيف ينام ليلًا مطمئنّ البال، وساكن الجسد، وهادئ الروح. قد تكون هذه هي أفضل أعراض انسحاب تمرّ بها على الإطلاق، بدون آثار جانبية وبدون هلاوس أو أي أعراض أخرى من التي نعرفها.

تعود لعزلتك. تنظر إلى كتبك. تبدأ في قراءة كتاب قد اخترته على عجلة وبعشوائية، وكأنك تريد أن تنعزل عن العالم بأكمله في أقرب وقتٍ ممكن، الآن، وهنا، وبكل ما فيك. تقرأ السطر الأول. يقول الكاتب:
"لم يكن هناك متّسع من الوقت لكي أفكّر فيما سأفعله في اللحظة التالية، فاخترت أن أرتجل.."

وكأن الكاتب كان يحدّثك، أو يتحدّث عنك. وكأن البطل هو جزءٌ منك. تعيش دون أن تفكّر في اللحظة التالية، قد تفكّر في المستقبل البعيد، ولكن ليس في اللحظة التالية. فنٌ كنت تسمّيه "فن اللحظية"، وكل من كان يتقنه كنت تطلق عليه "شخص لحظي"، يعلم ما سيفعله في اللحظة التالية، يعلم ما يريد الآن، ويعلم ما لا يريد. أما أنت فلا تعلم ولا تريد أن تعلم. وكأنك تعشق السير مع التيار الذي تأخذك الحياة إليه، تيّار ليس كتيار البشرية أو ما تسميهم "القطيع"، ولكنه تيارك أنت، طريق عَبّدته لك الحياة ومهّدته لكي تمشي فيه أنت، فقط أنت من يعلم مآله في مستقبل "سوف"، لا مستقبل "سـ".

ولكنّك مع كل هذا تعشق الفضول الذي يصاحب الجهل والمجهول، فضولك لتعرف ما يخبّؤه الدهر لك، وما يخبّؤه الله لك. وتسير مطمئنّ البال بأن ما هو آت آتٍ لسبب، ولو لم يأتِ لن يأتِ لسبب أيضًا. أليس جميلًا أن تنتظر الجميل؟

ولكَ كلّ ما فيّ،
نون

No comments:

Post a Comment