Monday, April 4, 2016

غياب الاشتياق اشتياق


إليكْ،

الاشتياق موجِع، طالما لا تعرف كُنه ما أنت مشتاق إليه. تمشي كالهائم على وجهه، لا تعرف الطريق، وقد لا تريد أن تعرفه. وتسير ليلًا في طرقات ضيقة، كالأزقّة التي تبدو لك وكأنها تضيق أكثر كلّما غصت في أعماقها، وكالبحر عندما لا تصل إلى عمقه قدماك كلّما ابتعدت عن الشاطئ. تنظر تحتك، عند قدميك، بالكاد ترى العالم فوقك، لا تودّ أن ترى أكثر من ذلك، بل تودّ أن تبتلعك الأرض عند انشقاقها لتهرب من هذا الإحساس بالنقصان، هذا الإحساس اللعين بالنقص، بالاحتياج لشيء ما لا تعرفه، إحساس بالتيه، رغم أنك سائر في طريق تعرفه وتمشي فيه كل يوم.

أن تشتاق لأحد ما، أو لشيء ما، أو لشعور ما، يعني أن يُنتزع منك شيء رغم إرادتك، وأن تراه وهو يُنتزع ولكنك لا تدرك حجم المأساة التي ستتكبدها في نهاية المطاف. أن ينقص شيء ما بداخلك يعني أن جميع ما حولك ومن حولك لن يستبدلوه، إلا إذا عاد هو ذاته، وبنفس حيثياته. والعودة لا تعني أبدًا إحساس بالكمال، فكلنا ناقصون، نريد المزيد، ثم نريد المزيد من هذا المزيد.  ولهذا فإن جميع الأحاسيس بداخلنا ليست كاملة، ولكننا لا نطلق عليها ناقصة، بل معتدلة أو كافية، رغم نقصانها. والنقصان الذي ينتج عن الاشتياق ما هو إلا نقصان على نُقصان، ولذلك فهو مؤلم شديد الألم. ولكن ما معنى ألا نشتاق؟ غياب الاشتياق هو اشتياق في حد ذاته.

ولكَ كلّ ما فيّ،
نون

No comments:

Post a Comment