Tuesday, March 29, 2016

آلة البشرية

إليكْ،

وقفت اليوم أمام المرآة لأرى الكمان على كتفي الأيسر، والقوس بين أصابع يدي اليمنى، وأنا أعزف برويّة وبكل ما في هذه الآلة من صوت، ثم أنظر في المرآة على شكل أصابعي وعلى حجم الآلة بين يديّ فأدرك كم هي ساحرة في شكلها وصوتها وفي الطلاء الذي يعطيها بريقها، بريقٌ في المرآة وكأنه هوالذي يبعث منها هذه النغمات التي تصبح تارة حزينة وتارة أخرى غاضبة ناقمة على الدنيا وما فيها.

وقفتُ أتأمل هذا اللون البنيّ الداكن الذي لسبب غير  معلوم يعطيها جمالًا على جمالها وصوتًا على صوتها. كان لونها البنيّ المائل إلى الأحمر ملائمًا للون شعري تحت خشبها، وكان صوتها سلوانًا لي في هذه الحياة رغم ما فيها من بهجة أحيانًا. إن أكثر الأوتار حزنًا في هذه الآلة هو بكاء الإنسانية كلها، وأكثر الأوتار غضبًا فيها هو غضب الأمة كلها.

مرور أصابعك على أوتارها وكأنه تعانق بين اثنين جمعهما الدهر بعد طول غياب. والصمت بين النغمات وكأنه فراق محبيّن. في هذه الآلة تكمن البشرية بكل ما فيها، وفي كل نغمة بإصبعك على أوتارها تُخرج لك عاطفة لم تستطع الإنسانية أن تضع لها اسمًا في معاجمها.

في هذه الآلة كل شيء، والعازف هو الذي يختار ما يُخرجه للبشرية.

ولك كلّ ما فيّ،
نون

Monday, March 28, 2016

الخوف

إليكْ،

عجبًا تحيط بي الأفكار من كل جانب طيلة النهار ولا أجد ما أكتبه في الليل عند جلوسي أمام رسائلك لأحكي لك عما بداخلي. عجبًا يتملكّني الخوف وأنا أستعد للكتابة، وبجانبي كوبٌ من مشروب ساخن يبعث الدفء لكلماتي التي تجمدت من هذا الخوف بالداخل وتعجز عن الخروج.

ولكن ما هو الخوف؟ وما هو الألم؟ أليس الحكمُ على الشيء فرعٌ عن تصوره؟ إذًا ما هو الخوف؟ ما معنى أن تخاف؟ أو ما معنى أن تتألم؟ إن كان ليس للخوف فسيولوجية، فلماذا يؤلم أحيانًا كما لو كان في عضلة القلب؟ أو كأنه ثقبٌ في الرئة؟ أم أنه في القلب كما يشعر بالألم من انفطر قلبه؟

الخوف هو انكماش يحدث في القلب يقتل كل ما في المرء من جرأة. لا، لا، لحظة. الخوف هو أن تتآكل أسباب الشجاعة بداخلك، وتصيب القلب معها بانفطار يجعله يدق بهستيريا كما لو كان يستنزف كل قُواه قبل أن تخور، فتتجمد لهذه الخفقات أطرافك وتصيبها برعشة أو رجفة لا تستطيع أن تفيق منها إلا عندما تهدأ هذه الحرب داخلك. الخوف هو أن تنسى، دون أي جهد للتناسي، ما حولك من أناس وحياة بكل ما فيها، بل من هواء تتنفسه، حتى تشعر أن هناك من هو يضغط على كل عضلة بداخلك ليستنزفها بهدوء ورويّة، ويترك لك جسدًا لم يعد ملكك، بل قد أصبح عضلة منهكة بعد الأخرى، تعافر لتعود أدراجها وتهرب من كل هذه الحرب الداخلية.

الخوف هو أن تعرف من أنت، أن تقف أمام كل ما يثير الرعب بداخلك وتُقرّ بكل هدوء وبكل تقبّل أنك أنت، أنك إنسان وأن الخوف طبيعة فيك، وأنك وحدك صاحب هذه الخيالات الكائنة بالداخل، لا أحد آخر. أنت فقط من له أن يوقف هذه الحرب التي تكاد تكون حرب استنزاف من طرف واحد، لأن الطرف الثاني ليس له وجود مادي.

أنت أنت، وخوفك ليس أنت.

ولكَ كلّ ما فيّ،
نون

Sunday, March 27, 2016

عود

إليكْ،

لا أعلم من أين أبدأ. أمِن حيثُ تركتُك أم من حيث ترشدني الكلمات لأن أكتب. بدايةً، لقد مرّ أكثر من نصف ساعة وأنا أحاول أن أكتب لك، ولكن بلا جدوى، وحتى الآن لا أعلم ماذا سأكتب لك. ولكنني بدأت فليس لديّ خيار آخر حتى أنتهي.

كيف لا تجدُ الصحبة حديثًا بعد طول غياب؟ كيف للكلمات أن تغيب ولا تعود؟ ما يثير العجب أن الغياب مثله مثل الكلمات، متى طال دون سبب مات في منتصف الطريق، كالكلمات، متى طالت دونما سبب فقدت ما فيها من معنى، ولم تعُد كلمات بل إسهابًا. وما الإسهاب إلا موت الكلمات. 

ولكَ كل ما فيّ،
نون

Friday, March 25, 2016

Untitled

Dear you,

I have cried in the first three months of 2016 alone more than in the whole of 2015.

Yours faithfully and sincerely,
N.

Monday, March 21, 2016

Unbeing

Dear you,

There is nothing in the world I miss the way I miss writing you. Words to you have created life in me.

I love you. I'll come back with the blossom of spring trees.

Forgive me.

Yours faithfully and sincerely,
N.

Sunday, March 13, 2016

معادلة ناقصة

إليكْ،

الأمل فيه من الألم ما في الألم من الأمل. دائمًا ما يتخلل فرحنا شيءٌ من الحزن، لأننا نعلم أن هذه الساعات السعيدة سوف تنتهي، ولأننا دائمًا ما نتمنى أن تستمر هذه اللحظات. إلا أننا من الأنانية بحيث أننا لا نترك الحزن أبدًا يأخذ مجراه وأمره الربّاني. أصبحنا كالأطفال؛ نريد كل شيء نريده الآن وكما نريده نحن، ليس كما صنعه الله لنا.

نجهل أن موازين الأمور كاملة فقط عند الله، فقط الله هو من يعلم أن ذهاب الحزن الآن لن يكون إلا ابتلاءً آخر، لأننا لن نكون مستعدين له بعدْ. بل إن الكبْر سيملؤنا من الداخل ويستنزفنا حتى يصل إلى أجسادنا، وننسى من هو الله، وننسى صغرنا وتفاهتنا أمام قوة الله وأمره.

اللهم ارحمنا من نفوسنا ومن الأطفال داخلنا.

ولكَ كلّ ما فيّ،

نون

Saturday, March 12, 2016

فصبرًا

إليكْ،

أشعر أن قلمي به بقايا من حبر يكاد أن يجفّ، أو حبر متناثر في أنبوبته يأبى أن يخرج إلى أوراقي، وأن نهاية هذا الحبر هي نهاية كلماتي. وحتى الآن، لا أعرف معنى أن أقول نهاية الكلمات، ولكن بداخلي إحساس ما يطغى على كلماتي ويستبدل الصمت بها، ويزداد شيئًا فشيئًا ازديادًا ليس له مغزى.

ما يثير الفضول أن هذا الازدياد وكأنه فراغ قارب أن يستحوذ عليّ من الداخل، يستحوذ عليّ وأنا مليئة بأفكار لا تنتهي، بل إنني عاجزة عن الإتيان بالوقت الكافي لها لكي أحدّثك عنها، أو قد أكون لست بكاتبة بارعة لديها القدرة على البوح بما في جعبتها بشكل يوميّ، لأن للحياة أيام يطغى عليها الصمت أكثر من طغيان الكلمات.

المهم أن الصفحات تمتلئ، ولو ظننا أن هذا الامتلاء لا شيء، بل إن في هذا اللاشيء مئات الأفكار. قد لا ندركها ولكن تدرِكًنا.

وفي هذه الصفحة أكتب لك ما قد يبدو أنه لا شيء، إلا أن انقطاعي يملؤه الحنين والشوق والكثير الكثير من الكلمات. انقطعتُ ولم ينقطِع فيّ شيء ما، كلماتي إليك ظلّت حبيسة داخلي، تبكي كي تخرج منّي إليك، وتتوسّل إليّ كي أُطلِقَها من هذا السجن الذي هو جسدي، والذي تملؤه آلاف الأفكار التي ليست منها، وتخنقها بتكراراتها وتزاحمها جنبًا إلى جنبٍ مع كلماتي إليكْ.

أتمنى في يومٍ ما أن أُخرج جميع هذه الكلمات إليك كما يجب أن تخرج وكما يستحق لها أن تخرج. ولكن ربما أرادت أن تخرج بالشكل الأمثل، فصبرًا عليّ وصبري عليّ.

ولكَ كلّ ما فيّ،
نون

Wednesday, March 9, 2016

اللاواقع

إليكْ،

أحيانًا يسيطر عليّ شعور أتمنى لو أستطيع أن أصفه لأحد يفهمه. وكأنني أريد أن أظلّ في مكانٍ ما لأنه يذكّرني بالحياة التي أريد أن أعيشها، كأن أزور مشتلًا ما فتتملكني رغبة عارمة بأن أمكث فيه قليلًا، أو كثيرًا، لأنه يذكّرني بالتلال الخضراء التي أحلم برؤيتها عند زيارة مدينة في إسبانيا، أو ما شابهها من مدن ساحرة في دولة لم أزرها قط.

عادة ما يتملّكني هذا الشعور لأيام، فألجأ إلى مشاهدة فيلم أو قراءة رواية لأعيش هذا الإحساس بكل ما أستطيع من قوة، كي يهدأ قليلًا ويتركني وشأني. وأحيانًا أتركه يسرق ما يودّ أن يسرق منّي، ويترك ما تبقّى كي أصلحه أنا وأعيش هذه السلسلة التي لا تنتهي من جديد.

وأحيانًا أخرى أقنع نفسي بأن أعيش معه وأتناسى كل ما حولي، وكأنني أعيش في عالمٍ موازٍ خالٍ من تفاهات الدنيا وبؤسها. فأترك خيالاتي تسبح فيما تريد أن تسبح فيه، وأنعزل عن كل ما يتسبب لي بالواقع، وكأن الواقع أصبح مرضًا والخيال هو الشافي.

حتى أنسى. أنسى أن كل ما حولي واقع لن يتغير، أو لن يتغّير بالشكل الذي أريد. وأنسى أن ما في خيالاتي لن يتجاوز الحناجر، هذا إذا بلغها. أنسى أنني هنا، أنني أتنفس هواء الواقع وأستمع لأصواته وأرى إنسانيته. أنسى ولو للحظة، حتى أستطيع العودة من جديد، وحتى لا أفقد عقلي من كثرة ما في الحياة من واقع، وخلوّها من الخيال.

ولكَ كلّ ما فيّ،
نون

Tuesday, March 1, 2016

Fitting in

Dear you,

I can't fit in anymore. I just don't.

Yours faithfully and sincerely,
N.