Sunday, January 3, 2016

دائرة مُفرَغة

إليكَ أنت،


ما هو التعبير الأمثل لمن يخاف الذكريات؟ وما هو المصطلح المعبّر لمن تلاحقه الذكريات؟ لا تقل لي إنه ليس في اللغة العربية أجمع وعلى مرّ تاريخها من انضم إلى علماء المجمع اللغوي ولم تصِبه الذكريات بشيء من الغصة في الحلق، أو بشيء من الوخز المفاجئ الذي لا يترك لك شيئًا من الرحمة لتتنفس قليلًا. لا تقل لي إن أحدًا منهم لم يجئ بلفظٍ يبعث لنا بشيئٍ من الطمأنينة ويعبّر لنا عمّا تبوح به أنفسنا الفقيرة. ولكن الذنب ليس ذنب اللغة، فهي بريئة من أحاسيسنا، وإنما الذنبُ ذنبنا، نحن الذين نخاف مما ولّى ولن يعود، ومما يحمله لنا الغير من الذكريات التي لم نكد ننساها لتطاردنا في هيئة أشخاص يذكّرونا بأشياء لم ننسها بعد.

ما هي الذاكرة؟ ولِمَ تتتحايل ضدنا في أغلب الأوقات لتذكّرنا بأيام لن تعود، والأفضل لها ألّا تعود؟ وما هو الوقت؟ ذلك الشيء الذي لولاه لفقدنا الإحساس بمئات الوقائع ولتركنا كل شيء ينسحب إلى خيالاتنا. ماذا إذا توقفت عقارب الساعة عن الدوران وتركتنا في هدوء الغرفة من حولنا، تركتنا مع الحوائط الأربعة وبين أفكارنا، أليس هذا بسجنٍ كافٍ لنا؟ أيجب على العقارب أن تدور محدثةً صوتًا يذكّرنا بأن العمر يمضي، وبأن حاضرنا ليس إلًا ماضيًا ينتظر التكوين؟ ولكن الذنب ليس ذنب الوقت بل ذنبنا، علينا التخلص من ساعات العالم أجمع، لكي نضيع في واقعنا ولا نبحث عن ماضٍ أو نخاف مستقبلًا لا ندري كُنهه. علينا أن نضلّ لنعرف الطريق.

ما هي الكلمات؟ ومن أين جاءت بالسحر الذي ساعة يقتلنا وساعة يعيد إحياءنا؟ ما هو السر وراء هذه الحروف اللغوية التي تكوّن معانٍ مختلفة مع كل إنسان يستخدمها؟ اللغة ما هي إلّا شيء من السحر، ولكنّه سحر يملكه جميع البشر، ومنهم من لديه القدرة على استخدامه كسحر ذلك الذي نشاهده في المسارح وعلى التلفاز. اللغة عالم لا ينتهي، ولكل لغة سحر خاص بها، ولكل سحر سحرته الخاصة. فكيف لي ألّا أنتهز جمال اللغة وأدبها لأكتب لك، لأعبّر لك عن أفكاري التي ما هي إلّا نتاج للّغة واللغة نتاج لها. كيف لي ألا أكتب لك وأنت من يصمت دون رسائل لي، لأنك تعلم أن اللغة وحدها أحيانًا لا تكفي للتعبير، ونحتاج إلى لغة أخرى هي لغة الجسد. 
كيف وأنت تعلم كل شيء؟

ولك كامل إخلاصي ووفائي،
نون. 

No comments:

Post a Comment