Thursday, December 31, 2015

كتاب المطر

إليكَ أنتْ،


في كل ليلة أُمسك فيها رسالة لأكتب لك، تتلعثم الكلمات في حلقي وتصاب يداي بشلل الكتابة، أو عجز الكتابة. المسميات لا تهمّ، المهم هو الشعور نفسه. لذا، فقد قررّت أن أكتب لك الليلة، وهي ليلة رأس سنة جديدة ليس لي فيها إلا أنت، رسالة كُتبت لشخص غيري ومن شخص غيري أيضًا.
هو إهداء بالمعنى الدقيق للكلمة، ولكنه إهداء قد يعجز معجمي عن كتابته حتى وإن أصبحت في نفس مستوى أحدٍ من العظماء.

من "كتاب المطر"

إلى عزيزتي أمل،
عندما تساقط علينا النّعم أو تنهال علينا المصائب، إمّا أننا نقول "أول الغيث قطرة" أو نقول "إن المصائب لا تأتى فُرادى". وأوّلهما أجمل تعبيرًا، لأن المطر يوحي بالخير، والخير يابنتي من عند الله، والشر والإساءة من عِند أنفسنا.
النفسُ يابنتي لوّامة، وأمّارة بالسوء، ومطمئنة، ودنيئة. وستنهال عليكِ بجميع أشكالها وألوانها أحيانًا في تسلسل مُرهق ومتتابع بلا رحمة، حتى إنكِ لتخرجين من صراعٍ داخليٍ منهكة، تلهثين وكأنكِ كنت في حرب ما، وكل هذا قد يحدث في دقائق معدودة ستتخلصين منها لتقذفيها في اليمّ وكأنها صراع أعوام كاملة.

أريدكِ يابنتي أن تتخيّلي أنكِ كوكب وأن السحب التي تهرب من مكانٍ إلى آخر ما هي إلا نفسكِ بدرجاتها القاتمة الداكنة وبصفاء لونها من أي شوائب. ثمّ تخيلي أن روحكِ هي الأرض الذابلة التي ترويها أمطار السحب الكثيفة، والتي تهطل على أرضٍ إمّا أن تحييها من صحرائها، أو تهطل على أرضٍ جرداء قاحلة لا جدوى من الأمطار فيها. وهكذا روحكِ يابنتي، إمّا أن يزيدها المدحُ تواضعًا، أو يأخذها إلى حافة الغرور.
في هذا الكتاب ستتعلمين أنواع نفسكِ الإنسانية، وستدركين أن روحك ليست إلّا أرضًا تسقيها أنتِ بما تريدين، ولكِ من المطر كل النصيب إذا عثرتِ على أرضٍ تُخفي بذورًا وجذورًا في باطنها. ولكِ أيضًا أن تضلّي الطريق إلى تلك الأرض مادام هذا الضلال ما هو إلا طريق لا تعرفين أن نهايته هي الرشد.
لكِ كلّ شيء من حياتكِ يابنتي، إلا أن تتركي نفسكِ لضلال لا نهاية له. وأدعو الله أن يكون لكِ من اسمك كل النصيب.

--

ولك كامل إخلاص ووفائي،
نون

No comments:

Post a Comment