Tuesday, May 31, 2016

دربٌ من الكلمات التي لا تنكسر

إليك،

“قررت أن أهرب من الكتابة، لأنها لا تهرب مني أبدًا. تتكرر الكلمات ولا تتكرر المشاعر. من أين تأتي المشاعر بكلنات لا تمتّ لها بصلة؟ إلى أين يقودني هذا الدرب الذي لا لون له ولا نهاية جليّة؟ إلى أين تقودني الكلمات التي تتلاعب وتبتزّ مشاعري؟ 
أصبحت في دوامة، لا أعلم أين بداياتها من نهاياتها. هل تتوقف قريبًا؟ هل يهدأ حبل أفكاري؟ هل ينقطع؟ ألا يحترق تحت قيظ هذا الصيف؟ لماذا أصبح الصمت مبتذلًا؟ والكلمات مهترئة؟ لماذا تهزأ بنا الكتابة وتقاتلنا وكأننا عدوها الأول والأخير؟”
كتبت هذه الأسطر وتركت قلمي على المنضدة الزجاجية أمامي. فنجانان من القهوة التركية تُركا على أوراقي، لم يكونا لي، ومع هذا فإنني لم أكترث بأنهما قد يتلفا هذه الأوراق. أوراق فيها كلمات مكسورةـ وحروب لم تنتصر بعد، وأزمات لا نهاية ولا بداية لها. 
جلست بكل ما استطعت من الاسترخاء، وتركت أشعة الشمس تتخلل جسدي وتمنعني من قيلولة صغيرة، بعد أن سهرت أكتب وألقي بعشرات الأوراق في سلة المهملات بجانبي، وقد امتلأت هي الأخرى بالكلمات. شعرت أن الغرفة قد امتلأت بكلمات لا أقدر على خوض حرب معها. فتركت كل شيء وأغمضت عينيّ. تأملت الدرب الذي أنا فيه وما إذا كان الطريق لا يزال يسمح بالعودة وسلك درب آخر. درب خالٍ من الصراع مع نفس الكينونة والوصول لنفس النتيجة.
فتحت عينيّ مرة أخرى، أتأمل طلاء الغرفة. لماذا اخترت اللون القرمزي مع الأسود؟ كنت أحب هذين اللونين، ولكن لعل اعتياد نظري إليهما قد قتل ما فيهما من سحر. نظرت إلى المنضدة مرة أخرى وإلى مفكرتي، على أمل أن تكون الحرب قد اشتدت بدوني. ولكن بلا جدوى. 
أمسكت رأسي بكلتا يداي. استجمعتُ قواي التي تكاد تخور منذ الليلة الماضية. غُصتُ في هذه الحرب مرة أخرى، ناسية ما في نفسي من أحلام، من دروب قد أهرب إليها لتنقذني مما أنا فيه، ناسية تكرار أفكاري وكلماتي وفنون قتالي ضد الكلمات. ناسية أنني أكتب. لأن أوراقي ليست إلا أرض المعركة. وليت لي أن أقول إن قلمي هو السلاح. فهو سلاح مسكور لا يقوى حتى على كسر حرف واحد. 
استجمعتُ قواي وبدأت مجددًا من “لماذا تهزأ بنا الكتابة؟” ناسية أنّي أنا والكتابة سواء، وأنني لست الوحيد الذي يريد لهذه النهاية أن تكون.

ولكَ كلّ ما فيّ،
نون

No comments:

Post a Comment